تعرف الدبلوماسية على أنها فن القدرة على التأثير لإحداث تغيير يحقق مصالح، ويتم الوصول لتحقيق المصالح من خلال التفاوض. ولكى يحدث ذلك، لابد لكل طرف أن يعى إمكانياته وإمكانية الطرف الآخر، وعلى الرغم من أن هذا التعريف كان سائدا خلال عصر الدبلوماسية التقليدية التى انحصرت بصفة أساسية فى تبادل البعثات الدبلوماسية والزيارات رفيعة المستوى، على الرغم من ذلك، إلا أن هذا التعريف لا يزال ساريا -وبقوة- فى عصر الدبلوماسية (الجديدة) غير التقليدية أيضا، فمع تطور أدوات الدبلوماسية واجهت الدول تحديات المواكبة وعلى رأسها تطوير إمكاناتها التكنولوجية، والقدرة على "الظهور" والمنافسة فى الفضاء الالكترونى. وهو ما أدى لنشأة مفهوم "الدبلوماسية الرقمية". يشير الواقع إلى أن مفهوم الدبلوماسية الرقمية أضحى يتمتع بأهمية متزايدة وذلك لدورها فى الأزمات تشكيلا أو تقديما لحل، وهنا يمكن التركيز على مثالين. فأما الأزمات التى خلقتها الدبلوماسية الرقمية فهى التسريبات التى تمت لوثائق الخارجية الأمريكية أو ما يعرف بأزمة ويكيليكس وأما الأزمات التى تعاملت معها وكانت الدبلوماسية الرقمية أحد محاور "حلها" فهى أزمة كوفيد-19. وسينظر البحث لهاتين الحالتين. فى هذا الإطار، ينطلق هذا البحث من مقولة بحثية أساسية وهى: "أن دراسة السياسة الخارجية وأجندة الدبلوماسية الدولية الحالية يصعب أن تتم بالاعتماد على أدوات الدبلوماسية التقليدية فقط نظرا للدور المتزايد لأدوات الدبلوماسية (الجديدة) وخاصة الدبلوماسية الرقمية ". من ثم، سيحاول هذا البحث الإجابة على السؤالين البحثيين التاليين: أولا، ما هو مفهوم الدبلوماسية الرقمية؟ وثانيا، ما هو الأثر الذى تحمله الدبلوماسية الرقمية على تشكيل وتطور التفاعلات فى النظام الدولى خلال الأزمات؟