Abstract:
تهدف هذه الدراسة إلى مناقشة التحديات الراهنة التي تواجه اعتماد العديد من حلول التكنولوجيا المالية على نطاق واسع في الدول العربية بهدف تطوير الصناعة المصرفية و تحقيق الشمول المالي في هذه الدول. حيث أولت الحكومات العربية في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بهذه التكنولوجيا وحالات استخدامها كأداة للتحوّل الرقمي؛ وتم النظر إليها كمحرك للتنوع الاقتصادي وأصبحت على رأس جداول الأعمال الإستراتيجية للعديد من البلدان في المنطقة.
أظهرت نتائج الدراسة إلى أنه وبرغم التطورات الحاصلة لا تزال الدول العربية متأخرة مقارنة بدول نامية عديدة، يمكن الاستفادة من تجاربها، على غرار التجربة الكينية. لذا يتعين على دول المنطقة إتاحة الفرص أمام الابتكار الرقمي مع وضع لوائح مواتية وتطبيقات تنظيمية للحماية توفر الأمان للمعاملات، بينما تسمح بإجراء التجارب المحفزة على خلق ابتكارات غير مسبوقة و اعتمادها. وتتضمن الأولويات الإصلاحات الرامية إلى سد تحسين بيئة الأعمال، ومعالجة الفجوات في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى جانب اتخاذ تدابير لمعالجة فجوة الثقة.
Description:
إن التطورات السريعة في التكنولوجيا الرقمية في سبيلها لتحويل المشهد الاقتصادي والمالي، وخلق الفرص وفرض التحديات أمام المستهلكين، والشركات المالية وغير المالية، ومقدمي الخدمات، والهيئات التنظيمية. ويقود القطاع الخاص إلى حد كبير هذه التطورات، وتحركها قوى الرقمنة العالمية والتقدم التكنولوجي التي تعيد صياغة العديد من جوانب اقتصاديات العالم وحكوماته ومجتمعاته. وتتنوع التجارب والتطورات في مجال التكنولوجيا المالية على مستوى بلدان العالم، ويشمل ذلك بلدان ذات اقتصاديات نامية واقتصاديات صاعدة، فضلاً عن الدول الصغيرة والهشة التي تختلف فيها الاحتياجات وتطورات ومستجدات السياسات المتعلقة بالتكنولوجيا المالية عن تلك الموجودة في الاقتصاديات المتقدمة.
ثمة علاقة تكافلية عضوية بين التكنولوجيا والتمويل منذ أمد بعيد. حيث تعمل التطورات في تكنولوجيا المعلومات والحاسبات الآلية والتغيرات في توقعات العملاء المتمرسين في التكنولوجيا على تجاوز وتلاشي الحدود التقليدية بين الوسطاء الماليين والأسواق ومقدمي الخدمات الجدد- مما يؤدي إلى زيادة اللامركزية وطرح منتجات ومفاهيم جديدة والتأثير على المعوقات التي تحول دون دخول السوق. وقد تم اختبار وتجريب بعض تطبيقات التكنولوجيا المالية، مثل الخدمات المالية من خلال الهواتف النقالة، على مدى السنوات العشر الماضية في العديد من البلدان النامية والصاعدة، وقدمت هذه التطبيقات ثروة من الخبرات المفيدة حول كيف يتسنى حتى للتكنولوجيات البسيطة أن تساعد في تحقيق الشمول المالي والتنمية على نطاق واسع.
في هذا الإطار، يتزايد حاليا إقرار صناع السياسات في مختلف أنحاء العالم بأهمية مواكبة الصناعة المصرفية لهذه التطورات. حيث تعد إمكانية الحصول على خدمات مالية لأفراد و للمؤسسات خاصة الصغيرة والمتوسطة، بالتحديد، عنصرا أساسيا في التحديات التي تواجه العديد من البلدان في تنويع اقتصادياتها وتحقيق النمو الاقتصادي. ومن الممكن أن يساهم اعتماد الابتكارات التكنولوجية المالية في زيادة النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتعزيز فعالية السياسات المالية العامة والنقدية، و يساهم أيضا في تحقيق الاستقرار المالي.
وقد بات موضوع التحول الرقمي للقطاع المصرفي من البنود المهمة المدرجة على جدول أعمال السياسات الدولية. حيث يمكن أن يسهم في الحد من الفقر، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار المالي. ومن شأن استخدام التكنولوجيا الجديدة والنماذج التجارية المبتكرة التي تساعد في تخطي الحواجز التي تمنع الحصول على الخدمات المالية أن يسهم في تحسين عملية هذا التحول.
كما شكّل قطاع التكنولوجيا المالية خلال السنوات الماضية ثورةً في الأنظمة المالية العالمية، حيث نجحت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في تقديم حزمة متنوعة من الخدمات المالية تتضمن خدمات المدفوعات والعملات الرقمية وتحويل الأموال، كذلك الإقراض والتمويل الجماعي وإدارة الثروات، إضافة إلى خدمات التأمين، الأمر الذي يُلقي بظلاله على مستقبل الخدمات المالية التقليدية.
في المنطقة العربية هناك نمو ملحوظ في الابتكار التكنولوجي، كما أن ازدياد الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية يعتبر مشجّعا للغاية؛ إلا أن الوصول إلى الخدمات المالية لا يزال من التحديات الكبيرة للكثيرين. إذ هناك ما يقدر بنحو 62 % من البالغين على مستوى المنطقة العربية لا يستطيعون الوصول إلى الاقتصاد المالي الرسمي. والسبب في ذلك، على سبيل المثال الحواجز الجغرافية التي تحول دون الوصول إلى الخدمات المالية، وعدم توفر الضمانات، وارتفاع تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالنقد وإخفاقات السوق. وعلى الرغم من تحقيق مكاسب بالفعل في عملية تشجيع الشمول المالي، فإن الاقتصاد الرقمي المتطور بسرعة إلى جانب الإشراف الفعال ضروري للتغلب على العقبات التي تحول دون تحقيق شمول مالي أوسع نطاقًا.